
الكثير من الجدل أثير أخيرا حول تعديل اتفاقية( ستارت ـ1), ـ معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية الهجومية ـ بين الولايات المتحدة وروسيا, والتي وقعت في عام1991, وانتهي العمل بها في5 ديسمبر الحالي, وسيتم التوقيع علي الاتفاقية المعدلة بين الطرفين بحضور الرئيسين ميدفيديف وأوباما خلال أيام.واذا نظرنا في البداية الي هذه المعاهدة, فسنجد أنها الأخطر والأهم بين البلدين والمعنية بتخفيض الأسلحة الاستراتيجية الهجومية النووية, بين البلدين, فقد تم التوقيع عليها يوم31 يوليو1991, ودخلت حيز التنفيذ في5 ديسمبر1994, وانتهت في عام2001 فترة السنوات السبع التالية لدخول حيز التنفيذ, وكان يتعين علي الولايات المتحدة وروسيا, بحسب الاتفاقية, تخفيض ترسانتيهما من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية الي1600 وسيلة لحمل الأسلحة الهجومية والاستراتيجية, و6 آلاف رأس نووي, وذلك بشرط ألا يتجاوز عدد الرءوس النووية علي الصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات4900 رأس, وعدد الرءوس النووية علي الصواريخ الباليستية العابرة للقارات1100 رأس, وعدد الرءوس النووية علي الصواريخ الباليستية الثقيلة العابرة للقارات1540 رأسا.كما اتفق الجانبان علي الامتناع عن صنع وتحديث بعض الوسائل الخاصة بإيصال الرءوس النووية, وعدم زيادة الشحنات المنصوبة علي الصواريخ الموجودة بالخدمة وعدم تطوير وسائل النقل التقليدية لتحمل سلام نووي, وقد ألحق بهذه المعاهدة عدد من البروتوكولات والاتفاقيات, ترتبط أساسا بآليات الرقابة علي تنفيذها.أما عن الجدل والخلافات التي أثيرت في الفترة الأخيرة وكادت تفسد الأجواء, وحتي هذه اللحظة لم تحسم, فإن موسكو تصر هذه المرة علي أن يقوم الجانب الأمريكي بتدمير الرءوس النووية التي سيتم الاتفاق علي تخفيضها, وهو ما قد ترفضه واشنطن التي سبق أن اكتفت بنزع الرءوس النووية من علي منصاتها ووضعها في المستودعات خلال تنفيذها الاتفاقيات السابقة, بينما قامت موسكو بتدمير كل الرءوس التي نزعتها. هذا بالإضافة الي أنه توجد خلافات أخري ليست علي صلة بالأسلحة الاستراتيجية, لأنه من الواضح أن روسيا ترغب في استغلال ما تصفه بأنه مرحلة جديدة في العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة, لوضع اتفاقيات جديدة تضمن الأمن القومي الروسي, حيث ان روسيا قلقة بشأن احتمال إقدام الولايات المتحدة علي نشر صواريخ متوسطة المدي, غير مزودة برءوس نووية في أوروبا, وهناك أيضا المعضلة الرئيسية, وهي الدرع الصاروخية الأمريكية, والتي لن يكون أي اتفاق في حال عدم التوصل لحل فيها, وهذا ما أعلنته روسيا, وربطت توقيعها علي المعاهدة باستبعاد تنفيذ خطة نشر الدرع الصاروخية الأمريكية.وكانت روسيا قد تحركت خلال السنوات الأخيرة كي تبدأ مع الإدارة الأمريكية السابقة لوضع اتفاقية بديلة لـ( ستارت ـ1), إلا أن التوتر الذي خيم علي العلاقات بين البلدين حال دون ذلك, وبصورة أكثر دقة تهربت ادارة الرئيس السابق بوش من البحث في هذا الموضوع عن قصد, إلا أنه مع الادارة الجديدة لأوباما والإعلان عن مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين, فقد تم اعطاء التوجيهات للجهات المختصة في البلدين من أجل وضع الانتهاء من الاتفاقية المعدلة.ويري عدد من المحللين أن الخطوة الأمريكية في التفاهم مع روسيا بهذا الشأن ترجع الي أمرين, الأول هو عدم رغبة الولايات المتحدة في الدخول الآن في سباق تسلح جديد تهدد نفقاته بتعميق الأزمة المالية, التي تمر بها, والثاني, رغبة واشنطن في الإبقاء علي أقل عدد ممكن من الرءوس النووية الروسية لتسهيل عمل الدرع الصاروخية في مواجهة الترسانة النووية الروسية, كما أن روسيا تخشي أيضا من سباق تسلح استراتيجي ينهك اقتصادها, ولهذا تريد التوصل في الوقت المناسب الي اتفاقية للحد من الأسلحة الاستراتيجية تبعد عنها أعباء سباق التسلح المادية والسياسية.وعلي الرغم مما سبق ـ وهو المعلن ـ فإن سباق التسلح بين روسيا والولايات المتحدة يتسارع بشكل كبير في الوقت الحالي خاصة من الجانب الروسي, فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية, أنها تعتزم بناء6 غواصات نووية, مزودة بصواريخ بعيدة المدي, وذات قدرة عالية علي المناورة وقادرة علي حمل صواريخ( تكتيكية), تستطيع تدمير حاملات الطائرات, والتي تشكل خطرا مباشرا علي الأمن الروسي, وهذه الغواصات من طراز( سفيرو دنفسك), ويتم تصنيعها في ميناء( سيفماسن) والذي يعتبر مركز النشاط البحري للأساطيل الروسية النووية, كما أن روسيا تعمل حاليا علي تطوير جيشها وقدراتها العسكرية, فإلي جانب القدرات البحرية, فإنها تهتم بالقوات الجوية, وكان رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين, قد أعاد خلال فترة رئاسته, عمل رحلات القاذفات الروسية بعيدة المدي في عام2007, وتشارك فيها20 طائرة, علما بأن هذه الرحلات كانت تعمل وقت الاتحاد السوفيتي وتشمل المناطق التي يعتقد أنها تحتوي علي أماكن الصواريخ النووية الموجهة نحو دول المنظومة الاشتراكية.وكانت الجهود الأمريكية الروسية قد نجحت في كسر الجمود الخاص بمستقبل الأسلحة الاستراتيجية الهجومية, وذلك بعد سنوات من الشكوك, وذلك يوم6 يوليو الماضي عندما وقع البلدان علي وثيقة التفاهم المشترك في قضية تقليص وتحديد الأسلحة الاستراتيجية الهجومية في المستقبل, ومثلت هذه الوثيقة أهم نتائج القمة التي جمعت الرئيس الأمريكي أوباما والروسي ميدفيديف, حيث أكدا أهمية هذه الوثيقة.وقد نصت هذه الوثيقة علي تحديد عدد وسائل حمل وايصال الأسلحة النووية( الصواريخ والغواصات والطائرات الحربية الاستراتيجية)500 ـ1100 وحدة بعد مرور7 سنوات علي دخول المعاهدة المزمع توقيعها حيز التنفيذ, كما نصت الوثيقة علي تحديد عدد الرءوس النووية المحمولة بتلك الوسائل بـ1500 ـ1675 وحدة, وتراعي الوثيقة من جهة أخري الترابط بين الأسلحة الاستراتيجية الهجومية والدفاعية, كما تشير الي ضرورة تدوين بند في المعاهدة الجديدة ينص علي عدم نشر أسلحة استراتيجية خارج أراضي الدولتين, كما هو الحال في معاهدة( ستارت ـ1). وبرغم أن الوثيقة تتحدث عن الأسلحة الاستراتيجية, والتي هي في الغالب النووية, إلا أنه لم تجر تسمية الأسلحة المطلوب نزعها أو خفضها بالأسلحة النووية, لشمولها علي الصواريخ بعيدة المدي, حتي وهي لا تحمل رءوسا نووية, كما أن روسيا تري أن تقليص القدرات الهجومية الاستراتيجية, يجب أن تصحبه ضمانات بعدم تطوير منظومات الدفاع الاستراتيجية المضادة للصواريخ, ويعني بهذا الأمر وعلي وجه خاص مشروع درع الدفاع الصاروخية.إذن فإن التوصل الي اتفاقية جديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية بين روسيا والولايات المتحدة هو حاجة روسية ـ أمريكية ولكن لايمكن اعتبار هذا الأمر مؤشرا إيجابيا في العلاقات بين البلدين, وعلي الرغم من الخطاب الأمريكي الإيجابي تجاه روسيا, إلا أن الخلافات بينهما ماثلة في قضايا عديدة مثل الدور الأمريكي في الفضاء السوفيتي السابق, وكذا أزمة الدرع الصاروخية, ومحاولات واشنطن للحد من الدور الروسي في مجال الطاقة, وقد تؤدي هذه الخلافات الي مرحلة توتر جديدة في العلاقات, لذا فقد يكون سعي البلدين الي تخفيض ترسانتيهما النوويتين ليس أكثر من تمهيد للمرحلة الجديدة من العلاقات, وهذا الأمر الذي يحسمه مفاوضات( ستارت ـ1) المعدلة, والتي سيتم التوقيع عليها خلال أيام بحضور الرئيسين الروسي والأمريكي